بعد خروجه من السجن سنة 2004 اختار كمال الحوكي القيادي القديم في
حركة النهضة تجميد عضويته. ورغم دعوته للالتحاق بالحزب بعد حصوله على تأشيرة
النشاط العلني بعد ثورة 14 جانفي رفض الحوكي العمل داخل تنظيمه الذي فداه بـ14 سنة
سجنا..
*متى غادر كمال الحوكي رسميا الحركة؟
- أعتبر أني عضو اعتباري في الحركة.. قمت بتجميد نشاطي، لم أحضر
اجتماعات النهضة بعد 14 جانفي، فلي موقف واضح صرحت به أمام القيادات وقد اتخذته
منذ تواجدي داخل السجن. فما وقع ليس بمسألة يمكن ان نمر عليها مرور الكرام، ليس
هناك استعداد للنقد، هناك أزمة خلفت نتائج سلبية ووخيمة وثقيلة في رأيي.. ومن غير
المعقول أن لا نقوم بمراجعاتها وتقييمها وعدم تحميل المسؤوليات..
قلت ان عودتي للحركة ستكون بشروط، أية عودة يمكن أن نتحدث عنها ان لم
نقف على اخطائنا.. فانا غير قادر على استيعاب ما وقع.
وأعلم ان عددا من قيادات النهضة ووزرائها الحاليين يتبنون نفس الموقف
الذي أطالب به ولكن للأسف.. لا ينعكس هذا على الأداء.
*ماهي المسائل التي ترى أنه على الحركة تجاوزها أو نقدها؟
- كان هناك مطالبة بالحزم في عديد المسائل ومنها الازدواجية في
الخطاب.. فقد كان على الحركة ان تحسمها فمن المفروض ان يكون لها خطاب واضح تواجه
به المجتمع وللناخب حرية الاختيار.. كما يجب في الوقت نفسه مراجعة الذات وإعادة
صياغتها مرة أخرى.
لقد أصدرت الحركة وثيقة هزيلة جدا في المؤتمر الأخير في المهجر(المؤتمر
الثامن قبل ثورة 14 جانفي).. لا تعكس نضالية 20 سنة ماضية. واعتبرها الطامة الكبرى
ان كانت وثيقة للترويج فالحركة اذن مازالت تحافظ على ازدواجية الخطاب.. جاء وقت
الحزم مع المراجعات الفكرية والسياسية.. ودون هذا ارى أن الحركة تسخر من هذا
الشعب..
*كيف علمت أن الحركة تحافظ على نفس التنظيم والعمل رغم انك
لم تلتحق بها بعد14 جانفي؟
- لانها كانت تواصل للقديم، فحملات التعبئة والتجييش.. التي تقوم بها
اليوم حركة النهضة حتى داخل المجلس التاسيسي، هي نفسها الحملات القديمة.. كما ان
المرآة الحقيقية لما يقال داخل الحركة هو ما يعيد قوله القواعد وما تمارسه. ومن
خلال الملاحظة والمعاملة اليومية مع القواعد لا اتصور ان حركة النهضة قد خرجت من
الشروط التنظيمية التي دأبت عليها والتي تقوم على السمع والطاعة كشرطان اساسيان..
قبل الكفاءة والثقافة والمستوى العلمي فالانضباط التنظيمي والسمع والطاعة تعكس
علاقة قديمة بين العبد والسيد...
شخصيا أعتبر ان تواصل هذا الفكر مهزلة.. كما يؤلمني ان قيادات الحركة
في اعلى مستوياتها لا تحترم قواعدها وبالنسبة لهم القاعدي هو اداة التنفيذ فقط.
*هل يصح الحديث عن خلاف داخل الحركة اليوم قد يؤدي الى
انقسامها؟
- أريد توضيح مسألة في هذا الاطار، عندما تتحدث عن حزب عادي يمكن أن
تقول ان احتواءه لاكثر من تيار قد يؤدي الى انقسامه وهذا امر طبيعي.. والكثير
يعتقد ان شق الصفوف داخل النهضة قد يؤدي الى انقسامها، وهذا لن يحصل ابدا وهو
الامر الخطير، لأنه مادامت النظرية التنظيمية للحركة لم تتغير ومازالت تنطلق من
نصوص دينية، وبانهم جماعة أسلامية وحاملين لواء الدعوة.. تصبح الحركة في الاخير
تتحدث باسم الله.. ففرضية التطوير مستبعدة.. وأرى شخصيا انه أمر ميؤوس منه مادام
راشد الغنوشي يحافظ على نفس المكانة.
*ما الإشكال المطروح مع راشد الغنوشي داخل الحركة؟
- اعرفه شخصيا.. يقدم المعلومة ونقيضها يتلوّن بكل لون يقدم خطابا
لسلفي وخطابا اخر للعلماني.. لاني حقيقة اعتبر انه يعيش في كوكب اخر ويتعامل مع
حركة النهضة وكانها ملك شخصي.. يسيرها مثلما يريد.
* الا يوجد داخل الحركة تيار مواز لتيار الغنوشي قادر على
تحقيق نوع من التوازن؟
- انا استغرب ردود فعل عدد من الشخصيات داخل الحركة، فمثلا الجبالي
الذي كان أملي الوحيد داخل الحركة أستغرب عدم افصاحه عن مواقفه ومبادئه الحقيقية..
وأرجح فرضية أنهم غير قادرين على المواجهة وبالتالي ينتظرون في فرصة وهم الان بصدد
التحرك في اطار ممارسات ديبلوماسية.. ونظرا أن الغنوشي له وزن داخل الحركة فلا
وجود لشخصية قادرة على مواجهته.
* كيف اثر الانقسام على عمل حركة النهضة؟
- منذ البداية للحركة تشكيلة فسيفسائية، تضم السلفي والمتشدد والمعتدل
الحداثي والاسلامي التقدمي.. لكن العقلية الجمعية التي تعتبر نفسها ممثلا للاسلام
هي التي ادت الى توليد شكل من التصفية وخروج وانسحاب عدد من القياديين ذوي الشأن
داخل التنظيم منذ بداياته(صلاح الدين الجورشي وحميدة النيفر..) فمستوى التطور داخل
الحركة تطغى عليها ثقافة القطيع.. او باكثر لطف ثقافة جمعية ثقافة السمع والطاعة.
وعلى خلفية نفس العقلية.. لي معلومة مؤكدة مائة بالمائة أن نتائج
المؤتمر ليست هي المعلنة، حيث ارادوا الحفاظ على نفس التشكيلة.. فيمكن أن تكتشف
ذلك بسهولة، بماذا نفسر تواجد بعض العناصر اليوم داخل مجلس الشورى رغم ان
المؤتمرين عبروا عن رفضهم لهم وتحصلو على عدد اصوات ضئيل جدا.. هذا الى جانب اعطاء
الاولوية للعلاقات المبنية على الاقارب..
* هل هناك صراع القرارات داخل الحركة؟
- في اطار تحليلي بعيد عما لي من معلومات دقيقة، هناك صراع داخل
الحركة، يبدو واضحا من خلال عديد المعطيات آخرها حادثة الاتحاد، ففي الوقت الذي
كان يسعى خلاله حمادي الجبالي الى خلق نوع من الوفاق بين وجهات النظر اتجه الغنوشي
نحو التصعيد والتازيم.. كما ان الشخصان يختلفان في الطباع ففترة ظهور الجبالي مثلا
اتسمت بالاتزان والرصانة رغم انها كانت في السرية، في حين مثل الغنوشي على الدوام
مولد الازمات والشخصين الاكثر صدامية غير العقلانية في الحركة والفرق كان واضحا
حتى في المقالات الصادرة عن الرجلين(مقالات الغنوشي والجبالي في مجلة حقائق خلال
حرب الخليج الولى) شخصية عقلانية واقعية وشخصية اندفاعية.
* كيف اثر ذلك على تسيير الدولة وآدائها؟
- الاضطراب الذي تعرفه هذه المرحلة هو انعكاس طبيعي للخلاف بين
الرجلين، فمن الواضح ان هناك أشخاص مفروضة على الجبالي في الوزارة الأولى لها مهمة
المراقبة..
*هل هناك اكثر من قيادة داخل الحركة او الجميع ملتزم باطاعة
الغنوشي؟
- في الوقت الحاضر على مستوى الحركة لا يوجد الا الغنوشي وله تأثير
على مستوى قرار الدولة ولكن رغم ذلك تحافظ الحركة على تواجد عناصر اخرى لها وزنها
ودورها التعديلي الايجابي حتى في اخذ القرارات.
*هل هناك قيادات لم تظهر بعد، لم تأخذ حظها في التسيير؟
الطبيعة التنظيمية للحركة لم تسمح بظهور المساحة لم تفتح المجال لبروز
هذه الطاقات، فلو ان بعض الأشخاص يجدودن مجال أمام الغنوشي لا شك سيحققون النقلة
النوعية داخل حركة النهضة وهم موجودون داخل الحكومة وداخل الحركة... لكن في الاخير
الكل يلتزم بالأوامر.
* هل يمكن الحديث عن عمر افتراضي للحركة ؟
- ان واصلت حركة النهضة العمل على نفس هذا المنوال ستكون دون شك
التجمع الجديد.. ولا يمكن الاستمرار ان لم يتم التجديد..
*حظوظ حركة النهضة؟
- الحركة لها آليات التحشيد لذلك من الاكيد ان مازالت تمتلك قاعدة لا
بأس بها رغم ان هناك عدد كبير ممن انتخبوها سابقا خيبت امالهم.. وفقدوا ثقتهم في
حركة النهضة.
*برأيك، هل النمط المجتمعي التونسي مهدد ؟
بمسيرة صفاقس ارى انه مهدد، تنبئ بالنموذج الايراني.. ويبدو أننا نتجه
نحوه.. وان كان التاريخ لا يعيد نفسه.. وأرى ان امكانية نجاحه ضئيلة لكن الامر
وارد.. فهناك مفاهيم متشددة.. وهناك اليات عودة هذا التيار.. وذلك بالعمل داخل
المساجد وتدعيم هذا التوجه من قبل عدد من القيادات داخل الحركة.
ميزان الحوكي
-صالح كركر: تنهد كمال الحوكي في حديثه عن صالح كركر وأجاب:"كانت تصلنا
أصداء على وجود خلافات زعامة بين كركر والغنوشي.. له موضع خاص بالنسبة لأغلبية من
في الحركة فهو شخصية هامة في قلوبنا.. تم ازاحته من قبل الغنوشي الذي يبدو أن له
قوة في عزل خصومه.. فلا نجد اليوم اي منافس لراشد الغنوشي من الـ6 المؤسسين (بن
عيسى دمني، حبيب المكني.. صالح كركر..).
-الغنوشي: يعتبر النهضة ملكا شخصيا له.. يتعامل بطريقة استعلائية.. بدأ يتآكل
بسبب جنون العظمة.
-حبيب اللوز: كان شخصية مغايرة، وانا بصدد اكتشاف أفكاره التي تبدو
مغايرة لما عهدته عليه.
-شورو: اعرفه منذ صغري، ظلم كثيرا داخل الحركة.. اكتشفت في السجن انه صوفي
وارى انه من الأفضل ان يعود الى ذلك.. احترمه في مواقفه التي يفصح عنها رغم
اختلافي معه.
-العجمي الوريمي: ضعيف داخل الحركة.. يحاولون تهميشه..
ومحاولة تصغيره من أشخاص اقل كفاءة منه.. ألوم عليه ضعفه.
-علي العريض: ابتسم الحوكي في حديثه عن العريض.. صمت مطولا وقال:" ولو لحفظ
ماء وجهه كان عليه مغادرة الوزارة والعودة الى بيته"
-سمير ديلو: اضعه في صف الدبلوماسيين، الكثير من الامور لا تقنعه.. يقول في
الكثير من الأحيان تصريحات خصبة عنه.
-حمادي الجبالي: إلى اليوم احترمه كثيرا، الأمل كان فيه، ألوم السلبية في مواقفه.
- عبد اللطيف المكي: لا اعرفه شخصيا ولكن يقال ان نجمه صاعد له
وزنه داخل الحركة ويبدو ان ذلك يعود الى عضويته القديمة في اتحاد الطلبة التي تمثل
قاعدته.. داخل الحزب.. يحكى ان له مشروع..
-عبد الفتاح مورو: انقص من قيمة نفسه.. لم يقدم اية حقائق من
التي قال انه سيفصح عنها.. وقبل بمهمة دون صلاحيات.. في مجلس الشورى".
الحوكي يغوص في تاريخ الحركة
التأسيس.. تغيير الاسم.. وصنع الأزمات
التحق كمال الحوكي بحركة النهضة ـ الاتجاه الاسلامي ـ منذ تأسيسها، أي
مع بداية الثمانينات، نشط خلال مرحلة السرية ضمن القيادات الوسطى.. وتحول الى
مرحلة الفرار والاختفاء والمتابعة الامنية يوم 18 أفريل 86 على اثر كشف أسماء
الادارة التنظيمية الخاصة بالاتجاه الاسلامي بمنطقة تونس الغربية..من قبل النظام
البورقيبي..
ينتمي الحوكي " الى الجيل الجديد داخل الحركة الذي التحق على
خلفية الاعتقالات التي تمت في 1983، الجيل الجديد، الذي انطلق بسد الفراغ ثم كان
الانخراط الكبير.."
في فترة.. شهدت خلالها حركة الاتجاه الاسلامي حسب راي كمال الحوكي
" مرحلة بناء حقيقي وتطورا قائما على سرية التنظيم وعلنية العمل.. اتسم
بمشاركة كبيرة وحضور فعلي لنشطاء الحركة من خلال حلقات النقاش واللقاءات
الثقافية.."
وانتهت هذه المرحلة في رواية الحوكي " باعتقال الغنوشي الذي يصنع
عادة الازمات، أزمة قسمت ظهر الحركة.. فلم يكن هناك داع لصنعها، حيث تقرر في مجلس
شورى ولا نعلم كيف تقرر ذلك ان نعود الى المساجد (العودة الى الدروس) بقوة مثل ما
وقع في بداية الثمانينات.. الامر الذي يصنف كخط أحمر بالنسبة للسلطة.."
تغيير الاسم..
وبين الحوكي أنه "في 87 كانت الهدنة الصغيرة مع نظام بن علي..
وبداية حوار يتناول امكانية الترخيص للحركة من عدمه ويطرح فرضية تغيير الاسم..
وفعلا تغير الاسم بطريقة لا ديمقراطية حيث كان اغلبية ابناء الحركة ضد تغيير
الاسم."
وتم المحافظة على طبيعة التنظيم دون اية نية لنقد الذات أو تفكيك
الازمة أو الوقوف على المسؤوليات.. الى ان صنعت الأزمة الثانية في 89، أين تم
مخالفة القرار الذي صدر عن مجلس شورى والقاضي بدخول الحركة في 4 أو 5 دوائر
انتخابية فقط.
على اعتبار كما اوضح محدثنا "الاخذ بعين الاعتبار التدرج في
المشاركة والابتعاد عن الصدمة في الشارع.. وان الجميع يعلم أن الظرفية حساسة وان
بن علي لا يستأمن.. لكن وبقدرة قادر والى اليوم لا نعلم من اتخذ القرار بدخول
النهضة في جميع الدوائر الامر الذي أدى الى تولد حالة من الفزع عند بن علي
.."
صنع الأزمات..
وحسب تصريح القيادي السابق في حركة النهضة " بدأ العد التنازلي
في علاقة الحركة مع بن على في انتخابات 89، فقد كانت الحركات الاستعراضية التي
قامت بها حركة النهضة في الشوارع النقطة التي افاضت الكأس... كما ادت سياسة فرض
الامر الواقع.. الى التصعيد الذي خلف الاعتقالات.."وخرج القرار عن مركز
القرار.. ومثل كرة الثلج وبدأت الاحداث تتطور وتتدحرج نحو مزيد التصعيد وعدم
القدرة على السيطرة.."
واعتبر أن هذه المرحلة شهدت وقوع "امر خطير.. ففجأة.. صدر قرار
تحرير المبادرة.. والى اليوم لا نعلم من أصدر القرر.."
وعن القيادات التي كانت تتابع العمل السري للحركة أوضح الحوكي أن
"هناك عديد الوجوه التي تتسم بالتوازن والاعتدال والحكمة على غرار حمادي
الجبالي دخلت السجن آنذاك، وأتذكر أن الفترة شهدت حراكا تنظيميا كبيرا وصدور عدد
من القرارات غير المبررة مثل صدور خطة بعنوان فرض الحريات اي توفير مناخ حريات..
لكن صدرت خطة استثنائية لليوم امرها مجهول وهي تحرير المبادرة وقعت على خلفيتها
احداث باب سويقة التي نفذها وحوكم فيها شباب في الوقت الذي كان المسؤول الحقيقي هم
الناس الذين اتخذوا قرار تحرير المبادرة، في ظل قاعدة شبابية لها حماسة عالية
وابعاد قرار التحركات من القيادات الوسطى وبيان نية للتصعيد..
وأضاف محدثنا انه لم يقع تحميل المسؤوليات، فبعض القيادات كانت في
السجن، اخرها كان الحبيب اللوز، ومثل ما يقع اليوم قامت الحركة بحملات تجييش..
واجتماعات سرية تعبوية..